مقدمة ابن خلدون (107)

عابرسبيلا

4 months ago

علم اجتماع

Transcript

00:00في أن لغة أهل الحضر والأمصار لغة قائمة بنفسها مخالفة للغة مضر

00:10اعلم أن عرف التخاطب في الأمصار وبين الحضر ليس بلغة مضر القديمة

00:17ولا بلغة أهل الجيل بل هي لغة أخرى قائمة بنفسها بعيدة عن لغة مضر

00:25وعن لغة هذا الجيل العربي الذي لعهدنا

00:29وهي عن لغة مضر أبعد

00:32فأما أنها لغة قائمة بنفسها فهو ظاهر

00:37يشهد له ما فيها من التغاير الذي يعد عند صناعة أهل النحو لحنة

00:44وهي مع ذلك تختلف باختلاف الأمصار في اصطلاحاتهم

00:49فلغة أهل المشرق مباينة بعض الشيء للغة أهل المغرب

00:55وكل منهم متوصل بلغته إلى تأدية مقصوده والإبانة عما في نفسه

01:02وهذا معنى اللسان واللغة

01:05وفقدان الإعراب ليس بضائر لهم كما قلناه في لغة العرب لهذا العهد

01:12وأما أنها أبعد عن اللسان الأول من لغة هذا الجيل

01:17فلأن البعد عن اللسان إنما هو بمخاطبة العجمة

01:22فمن خالط العجم أكثر كانت لغته عن ذلك اللسان الأصلي أبعد

01:28لأن الملكة إنما تحصل بالتعليم كما قلناه

01:33وهذه ملكة ممتزجة من الملكة الأولى التي كانت للعرب

01:39ومن الملكة الثانية التي للعجم

01:42فعلى مقدار ما يسمعونه من العجمة

01:46ويربون عليه يبعدون عن الملكة الأولى

01:50وصار أهل لمصار كلهم من هذه الأقاليم أهل لغة أخرى مخصوصة بهم

01:59تخالف لغة مضر ويخالف أيضا بعضها بعضا كما نذكره

02:06وكأنها لغة أخرى لاستحكام ملكتها في أجيالهم

02:12والله يخلق ما يشاء ويقدر

02:15في تعليم اللسان المضاري

02:18اعلم أن ملكة اللسان المضاري

02:22لهذا العهد قد ذهبت وفسدت

02:26ولغة أهل الجيل كلهم مغايرة للغة مضر التي نزل بها القرآن

02:33وإنما هي لغة أخرى من امتزاج العجمة بها كما قدمناه

02:38إلا أن اللغات لما كانت ملكات كما مر كان تعلمها ممكن أن شأن سائر الملكات

02:49ووجه التعليم لمن يبتغي هذه الملكة

02:53ويروم تحصيلها أن يأخذ نفسه بحفظ كلامهم القديم

02:59الجار على أساليبهم من القرآن والحديث

03:03وكلام السلف

03:05ومخاطبات فحول العرب في أسجاعهم وأشعارهم

03:10وكلمات المولدين أيضا في سائر فنونهم

03:15حتى يتنزل لكثرة حفظه لكلامهم من المنظوم والمنثور منزلة من نشأ بينهم

03:23ولقن العبارة عن المقاصد منهم

03:26ثم يتصرف بعد ذلك في التعبير عما في ضميره على حسب عبارتهم

03:33وتأليف كلماتهم

03:36وما وعاه وحفظه من أساليبهم وترتيب ألفاظهم

03:41فتحصل له هذه الملكة بهذا الحفظ والاستعمال

03:47ويزداد بكثرتهما رسوخا وقوة

03:51ويحتاج مع ذلك إلى سلامة الطبع

03:55والتفهم الحسن

03:57لمنازع العرب وأساليبهم في التراكيب

04:01ومراعاة التطبيق بينها

04:03وبين مقتضيات الأحوال

04:06والذوق يشهد بذلك

04:08وهو ينشأ من هذه الملكة والطبع السليم فيها كما نذكر

04:13والطبع السليم فيها كما نذكر

04:17وعلى قدر المحفوظ وكثرة الاستعمال تكون جودة المصنوع نظما

04:23ونثرا

04:25ومن حصل على هذه الملكات

04:28ومن حصل على هذه الملكات فقد حصل على لغة مضر

04:33وهو الناقد البصير بالبلاغة فيها

04:37وهكذا ينبغي أن يكون تعلمها

04:40والله يهدي من يشاء بفضله وكرمه

04:47في أن ملكة هذا اللسان غير صناعة العربية ومستغنية عنها في التعليم

04:55والسبب في ذلك أن صناعة العربية إنما هي معرفة قوانين هذه الملكة ومقاييسها خاصة

05:03وهي بمثابة من يعرف صناعة من الصنائع علما

05:08ولا يحكمها عملا

05:10وللعلم بقوانين العراب مع هذه الملكة في نفسها

05:16فإن العلم بقوانين العراب إنما هو علم بكيفية العمل

05:21وليس هو نفس العمل

05:24ولذلك نجد كثيرا من جهابذة النحاة والمهارة في صناعة العربية المحيطين علما بتلك القوانين

05:33إذا سئل في كتابة سطرين إلى أخيه أو ذي مودته

05:39أو شكوى ظلامة أو قصد من قصوده أخطأ فيها عن الصواب وأكثر من اللحن

05:49ولم يجد تأليف الكلام لذلك والعبارة عن المقصود على أسليب اللسان العربي

05:58وكذا نجد كثيرا من من يحسن هذه الملكة ويجيد الفنين من المنظوم والمنثور

06:05وهو لا يحسن إعراب الفاعل من المفعول ولا المرفوع من المجرور ولا شيئا من قوانين صناعة العربية

06:15فمن هذا تعلم أن تلك الملكة هي غير صناعة العربية وأنها مستغنية عنها بالجملة

06:25وقد نجد بعض المهارة في صناعة الإعراب بصيرا بحال هذه الملكة وهو قليل واتفاقي

06:35وغيرهم فأجروا صناعة العربية مجرى العلوم بحثا وقطعوا النظر عن التفقه في تراكيب كلام العرب

06:48إلا إن أعربوا شاهدا أو رجحوا مذهبا من جهة الاقتضاء الذهني لا من جهة محامل اللسان وتراكيبه

06:59فأصبحت صناعة العربية كأنها من جملة قوانين المنطق العقلية أو الجدل

07:06وبعدت عن مناح اللسان وملكته وما ذلك إلا لعدولهم عن البحث في شواهد اللسان وتراكيبه

07:15وتمييز أساليبه وغطلاتهم عن الميران في ذلك للمتعلم

07:21فهو أحسن ما تفيده الملكة في اللسان وتلك القوانين إنما هي وسائل للتعليم

07:30لكنهم أجروها على غير ما قصد بها وأصاروها علما بحتا وبعدوا عن ثمرتها

07:40لذا فحصول ملكة اللسان العربي إنما هو بكثرة الحفظ من كلام العرب

07:47حتى يرتسم في خياله المنوال الذي نسجوا عليه تراكيبهم فينسجه عليه

07:58ويتنزل بذلك منزلة من نشأ معهم وخالط عباراتهم في كلامهم

08:06حتى حصلت له الملكة المستقرة في العبارة عن المقاصد على نحو كلامهم

08:13والله مقدر الأمور كلها

Category

Transcript

Be the first to comment

Recommended