Skip to playerSkip to main content
  • 7 weeks ago
علم اجتماع
Transcript
00:01في أن اللغة ملكة صناعية
00:04اعلم أن اللغات كلها ملكات شبيهة بالصناعة
00:09إذ هي ملكات في اللسان للعبارة عن المعاني
00:13وجودتها وقصورها بحسب تمام الملكة أو نقصانها
00:19وليس ذلك بالنظر إلى المفردات وإنما هو بالنظر إلى التراكيب
00:25فإذا حصلت الملكة التامة في تركيب الألفاظ المفردة للتعبير بها عن المعاني المقصودة
00:34ومراعاة التأليف الذي يطبق الكلام على مقتضى الحال
00:40بلغ المتكلم حينئذ الغاية من إفادة مقصوده للسامع
00:47وهذا هو معنى البلاغة
00:50والملكات لا تحصل إلا بتكرار الأفعال
00:54لأن الفعل يقع أولا وتعود منه للذات صفة
00:59ثم تكرر فتكون حالا
01:03ومعنى الحال أنها صفة غير راسخة
01:07ثم يزيد التكرار فتكون ملكة أي صفة راسخة
01:13فالمتكلم من العرب حين كانت ملكة اللغة العربية موجودة فيهم
01:20يسمع كلام أهل جيله وأثاليبهم في مخاطباتهم وكيفية تعبيرهم عن مقاصدهم
01:28كما يسمع الصبي استعمال المفردات في معانيها
01:33فيلقنها أولا
01:37ثم يسمع التراكيب بعدها فيلقنها كذلك
01:42ثم لا يزال سماعهم لذلك يتجدد في كل لحظة ومن كل متكلم واستعماله يتكرر
01:51إلى أن يصير ذلك ملكة وصفة راسخة
01:56ويكون كأحدهم هكذا تصيرت الألسن واللغات من جيل إلى جيل وتعلمها العجم والأطفال
02:06وهذا هو معنى ما تقوله العامة من أن اللغة للعربي بالطبع
02:13أي بالملكة الأولى التي أخذت عنهم ولم يأخذوها عن غيرهم
02:18ثم فسدت هذه الملكة لمضارى بمخالطتهم الأعاجم
02:24وسبب فسادها أن الناشئ من الجيل صار يسمع في العبارة عن المقاصد كيفيات أخرى غير الكيفيات التي كانت للعرب
02:35فيعبر بها عن مقاصده لكثرة المخالطين للعرب من غيرهم
02:42ويسمع كيفيات العربي أيضا
02:48فاختلط عليه الأمر وأخذ من هذه وهذه
02:52فاستحدث ملكة وكانت ناقصة عن الأولى
02:57وهذا معنى فساد اللسان العربي
03:00ولهذا كانت لغة قريش أفصح اللغات العربية وأصرحها لبعدهم عن بلاد العجم من جميع جهاتهم
03:12ثم من اكتنفهم من ثقيف وهذيل وخزاعة وبني كنانة وغطفان وبني أسد وبني تميم
03:23وأما من بعد عنهم من ربيعة واللخم وجذام وغسان وإياد وقضاعة وعرابي اليمن
03:33المجاورين لأمم الفرس والروم والحبشة فلم تكن لغتهم تامة الملكة بمخالطة الأعاجم
03:43وعلى نسبة بعدهم من قريش كان الاحتجاج بلغاتهم في الصحة والفساد عند أهل الصناعة العربية
03:52في أن لغة العرب لهذا العهد لغة مستقلة مغيرة للغة مضر وحمير
04:00وذلك أن نجدها في بيان المقاصد والوفاء بالدلالة على سنن اللسان المضاري
04:06ولم يفقد منها إلا دلالة الحركات على تعين الفاعل من المفعول
04:14فاعتاضوا منها بالتقديم والتأخير وبقرائنا تدل على خصوصيات المقاصد
04:21إلا أن البيان والبلاغة في اللسان المضاري أكثر وأعرف
04:28لأن الألفاظ بأعيانها دالة على المعاني بأعيانها
04:33ويبقى ما تقتضيه الأحوال ويسمى بساط الحال محتاجا إلى ما يدل عليه
04:41في اللسان العربي إنما يدل عليها بأحوال وكيفيات في تراكيب الألفاظ وتأليفها من تقديم أو تأخير
04:51أو حذف أو حركة إعراب
04:54وقد يدل عليها بالحروف غير المستقلة
05:00ولذلك تفاوتت طبقات الكلام في اللسان العربي بحسب تفاوت الدلالة على تلك الكيفيات كما قدمناه
05:13فكان الكلام العربي لذلك أوجز وأقل ألفاظ وعبارة من جميع الألسن
05:22وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم
05:25أوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصارا
05:31وما زالت هذه البلاغة والبيان ديدن العربي ومذهبهم لهذا العهد
05:37ولا تلتفتن في ذلك إلى خرفشة النحات أهل صناعة الإعراب القاصرة مداركهم عن التحقيق
05:44حيث يزعمون أن البلاغة لهذا العهد ذهبت وأن اللسان العربي فسد
05:52اعتبارا بما وقع أواخر الكلم من فساد العراب الذي يتدارسون قوانينه
05:59وهي مقالة دسها التشيع في طباعهم وألقاها القصور في أفئدتهم
06:06وإلا فنحن نجد اليوم الكثير من ألفاظ العرب لم تزل في موضوعاتها الأولى
06:13والتعبير عن المقاصد والتفاوت فيه بتفاوت الإبانة موجود في كلامهم لهذا العهد
06:21وأساليب اللسان وفنونه من النظم والنثر موجودة في مخاطباتهم
06:28وفهم الخطيب المصقع في محافلهم ومجامعهم
06:33والشاعر المفلق على أساليب لغتهم
06:37والذوق الصحيح والطبع السليم شاهدان بذلك
06:42ولم يفقد من أحوال اللسان المدون إلا حركات الإعراب في أواخر الكلم فقط
06:53الذي لزم في لسان مضر طريقة واحدة ومهيعا معروفا وهو الإعراب
07:04وهو بعض من أحكام اللسان وإنما وقعت العناية بلسان مضر
07:11لما فسد بمخالطتهم الأعاجم حين استولوا على ممالك العراق والشام ومصر والمغرب
07:21وصارت ملكته على غير الصور التي كانت أولا
07:27فانقلب لغة أخرى
07:29وكان القرآن متنزلا به
07:32والحديث النبوي منقولا بلغته وهما أصلا الدين والملة
07:39فخشية ناسيهما وانغلاق الأفهام عنهما بفقدان اللسان الذي تنزلا به
07:50فاحتيج إلى تدوين أحكامه ووضع مقاييسه واستنباط قوانينه
07:58وصار علما ذا فصول وأبواب ومقدمات ومسائل
08:04سماه أهله بعلم النحو
08:07وصناعة العربية
08:10فأصبح فنا محفوظا وعلما مكتوبا
08:14وسلما إلى فهم كتاب الله وسنة رسوله وافيا
08:22كما هي اللغة العرب لعهدنا مع لغة مضر
08:27إلا أن العناية بلسان مضر من أجل شريعة كما قلناه
08:33حمل ذلك على الاستنباط والاستقراء
08:36وليس عندنا لهذا العهد ما يحملنا على مثل ذلك ويدعونا إليه
Be the first to comment
Add your comment

Recommended