00:30فالإنسان مصدر الإنجاز والإبداع
00:33وكل ما عدا ذلك لا يعد إلا أن يكون أداة ومادة بين يديه
00:39فإن أحسن مجتمع الاستثمار في إنسانه
00:43استطاع أن يفعل المادة بين يديه
00:47فلا يسع المادة إلا أن تستجيب لإراية الإنسان وحركته
00:51ليحول بها الترابة إلى بناء وعمران
00:55والصحراء الجرداء إلى أشجار وثمار وجنان
01:00إنها قصة الحضارات التي بناها الإنسان على مر العصور والأسمان
01:07إن الإنسان جسد وعقل وروح
01:31ثلاثية متكاملة وإهمال أي منها سيعيق الإنسان أن يقوم بدوره في بناء الحضارة
01:40وقد جعل الله اليسد قالب العقل والروح
01:44فإذا القالب كسر أو أصابه الضرر أثر ذلك سلبا على الإنسان بكليته
01:52ولذلك أوصل خالق الإنسان أن يحسن الاستخلاف في جسده الذي وهبه إياه
02:00بل وجعل الأخذ بأسباب صيانته وحمايته ورعايته من المقاصد العليا للشريعة الإسلامية
02:08ومما يسأل عنه الإنسان يوم القيامة وعن جسده فيما أبلاه
02:15ولذلك فإن المسؤولية عن صحة الإنسان تقع على عاتقه أكثر مما تقع على عاتق الطبيب والفريق الطبي
02:25إن ارتفاع وتضخم تكلفة علاج الأمراض في ازدياد مضطرد في معظم الدول
02:32وذلك نتيجة نمط حياة غير صحي وزيادة نسبة الأمراض تبعا لذلك
02:39مما ينذر أنه باستمرار هذا النهش في التعامل مع الصحة
02:44فسيستنزف الدخل القومي أكثر وأكثر
02:48وستعجز معظم الدول عن تقديم العلاج لمواطنها
02:53فما هو الحل؟
02:56كيف يمكن أن نوقف هذا النزف والزيادة المضطيدة؟
03:00ليس هناك من حل إلا بتطبيق مفهوم تعزيز الصحة
03:07والذي يعرف بأنه تمكين الإنسان نفسه ليحميها ويقيها من الأمراض والأسقام
03:15لقد أصبح تحقيق هذا المفهوم هو هاجس المخططين الجادين والمنفذين الصحيين حول العالم
03:25آلاف الدراسات تؤكد أن برامج تعزيز الصحة فعالة
03:31وقد تم تحديد مجموعة من التدخلات الوقائية
03:38التي كان لها أكبر عائد استثماري على الفرد والمجتمع والدولة
03:44ومنها مكافحة التدخين والسمنة والتطعيمات والفحص الدوري
03:49في دراسة نشرت عام 2011 في مجلة سياسات الاقتصاد الحديثة
03:57وجد بعد تحليل ودراسة المعلومات ما بين عامي 1991 و2007
04:04أن دعم برامج مكافحة التدخين يمكن أن يوفر ما بين 14 و20 ضعفا من تكلفة البرامج
04:13وذلك بخفض تكاليف العلاج والأمراض التي يسببها التدخين
04:19كالذبحات القلبية والجلطات الدماغية والأمراض الصدرية والسرطانية
04:24وفي دولة مثل أستراليا حيث عدد سكانها أقل بقليل من عدد سكان المملكة العربية السعودية
04:32بينات دراسة نشرت عام 2008 أنه لكل عشرة آلاف يقلعون عن التدخين
04:39يتم وقاية 500 شخص من سرطان الرئاء
04:44و600 شخص من الذبحات الصدرية
04:48و130 شخصا من جلطات الدماغ
04:52و1700 شخص من أمراض الجهاز التنفسي
04:56وكذلك الحال في السمنة التي تؤدي إلى الإصابة بمرض السكري والذبحات الصدرية والجلطات الدماغية وكثير من الأمراض الأخرى
05:06فقد وصلت النفقات الطبية المرتبطة بالسمنة في أمريكا إلى 90 بليون دولار في السنة الواحدة
05:15وإلى أكثر من 270 بليون دولار في السنة إذا أضفنا الخسارة في الإنتاج
05:21بسبب الأمراض والوفيات الناتجة عن السمنة
05:25وفي دراسة تحليلية صادرة عن مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها
05:31بيّنت أن خفط نسبة السمنة بواحد في المائة فقط
05:36سيؤدي إلى خفط تكلفة العلاج الطبي بما يزيد عن 85 بليون دولار على مدى عقدين من الزمن
05:47علما بأن الكويت والسعودية يعدان من أعلى البلدان في نسب السمنة في العالم
05:53فإحصائيات منظمة الصحة العالمية لعام 2011 تبين أن 70% من الرجال و80% من النساء في الكويت
06:05و63% من الرجال و66% من النساء في السعودية مصابون بالسمنة
06:14وفي مسح ميداني قام به فريق من الحملة الوطنية لمكافحة السمنة في جامعة الملك السعود في السعودية
06:21بمراجعة إحصائيات السمنة في المملكة ما بين عامي 2009 و2011
06:29أظهرت الدراسة ارتفاعا ملحوظا في نسبة السمنة
06:34حيث أن ثلاثة من كل أربعة أشخاص مصابون بالسمنة
06:39وتؤدي السمنة إلى 20 ألف وفاة
06:42بل وتنفق السعودية أكثر من 19 مليار ريال على علاج الأمراض التي تسببها زيارة الوزن والسمنة
06:52وأوضحت الدراسة أنه بالرغم من ذلك
06:54إلا أنه لم يبدأ بعد الاستثمار في محاربة السمنة
06:59ولا توجد خطة وطنية شاملة لمحاربة السمنة في السعودية
07:05إنما يجعل الأمر أكثر خطورة في العالم العربي
07:10هو أن الأطفال يمثلون الشريحة الأكبر عدد
07:13بل تصل نسبتهم إلى 50% من السكان في بعض الدول
07:19فإذا كانت نسبة التدخين والسمنة في العالم العربي من أعلى النسب في العالم
07:25فماذا سيحدث لهذه الدول
07:28عندما يتحول أطفالها إلى بالغين
07:31وبالغيها إلى مسنين في العقدين القادمين
07:34بالطبع سيضعف الأمراض الناتجة عن السمنة والتدخين
07:39مما سيؤدي إلى استحالة تغطية تكلفة العلاج
07:44واستنزاف الدخل القومي لهذه البلاد
07:47وكيف لا يكون هذا أكثر الاستثمارات عائداً على الفرد والمجتمع والدولة
07:53و80% من الأمراض التي تصيب الإنسان تكمن في السلوك الإنساني غير الصحيح
08:01من غذاء غير صحي وتدخين وإحمال الحركة والرياضة والنظافة والجهل في التعامل مع التوتر والضغوط النفسية وغيرها كثير
08:12لقد غيرت منظمة الصحة العالمية تعريف الصحة
08:16ويصبح حالة من المعافاة الكاملة بدنياً ونفسياً وروحياً واجتماعياً
08:22ولم يعد تعريف الصحة يقتصر على الخلو من المرض أو العيس كما كان سابقاً
08:29وبالرغم من كل الدراسات والإحصاءات التي تحذر من خطورة عدم الأخذ بأسباب تعزيز الصحة على مستقبل الفرد والمجتمع
08:39إلا أننا نرى أن كثيراً من الدول العربية ما زالت تعيش في التعريف القاصر السطحي الضيق للصحة
08:47فتنفق جل ميزانياتها في بناء المستشفيات وعلاج الأمراض
08:53وكلما انتهت من بناء مجموعة منها أدركت أن التسارع في الطلب قد فاق وتعدى قدرتها على تغطية العيس
09:02بغض النظر عن ضخامة ميزانياتها وسرعة تنفيذها لهذه المشاريع
09:09إن العجز الحقيقي هو في فهم وتطبيق مفهوم تعزيز الصحة
09:15لبناء ثقافات لعلاج السلوكيات غير الصحية في المجتمع وتفادي الأمراض قبل حدوثها
09:23هذا هو مفهوم الوحيد الذي سيحد فعلاً بإذن الله من التسارع لبناء المستشفيات
09:30ولعلاج الأمراض الناتجة عن السلوكيات غير الصحية
09:34إنه التحول من مفهوم علاج المرض إلى المحافظة على الصحة
09:40ومن عيادة المرضى إلى عيادة الأصحة
09:44كل دولة تحتاج لخطة شاملة لتعزيز صحة إنسانها
09:54كما أنها تحتاج توجها استراتيجياً للوقاية من الأمراض المزمنة التي يمكن الوقاية منها
10:02وكذلك تفادي الإصابات التي يمكن تفاديها
10:06وذلك عن طريق توجيه سلوكيات إنسانها إلى سلوكيات صحية وتوفير بيئة صحية تساعد على تحقيق ذلك
10:15وبذلك لا تكون الشريحة المستهدفة هي الأشخاص المرضى فحسب
10:21وإنما الأصحاء عامة بالمحافظة على صحتهم وتغيير سلوكياتهم وعاداتهم غير الصحية
10:28إن بناء شراكات قوية متعاونة هو نقطة محورية ومركزية
10:35من أجل تطبيق الخطة الاستراتيجية لتعزيز صحة
10:40شراكات تدعم بتطبيق سياسات صحية على جميع المستويات
10:45وتفعيل قطاعات واسعة في المجتمع
10:48كالصناعية والتعليمية والترفيهية
10:51وسن القوانين ووضع النظم والتدخلات الاقتصادية
10:56لتكوين بيئة معيشة وعمل وحياة تدعم السلوكيات والعادة الصحية
11:02ومن أمثلة هذه الشراكات دور وزارة التعليم
11:07في تضمين مفهوم تعزيز الصحة في جميع مناهجها الدراسية
11:11ودور وزارة الإعلام بتكثيف برامج التعليم والتثقيف والتوعية الصحية
11:18بطرق مبتكرة وفعالة
11:21وكذلك دور وزارة التجارة في وضع سياسات وقوانين تكافئ العادات الصحية
11:27وتغرم العادات غير الصحية
11:30كرفع الضرائب على السجائر
11:32وتخصيص عوائد هذه الضرائب بالتنسيق مع وزارة الإعلام
11:36في التوعية والتثقيف والتحذير من مضار التدخين ومحاربته
11:42ودور وزارة الصحة في مكافأة الطبيب المعالج على النتائج الصحية التي حققها مع مرضاه
11:50كما في بريطانيا بربط المكافآت السنوية ببعدل تحسل ضغط دم مرضاه مثلا
11:57وكذلك مؤشرات الصحة الرئيسية الأخرى
12:01ومن أهم الأهداف القومية الأخرى
12:04العمل على رفع إحساس إنسان المجتمع بقيمته
12:08فالاحتمام بالصحة هو انعكاس لهذا الإحساس
12:13وكذلك إن شاء بنك معلومات صحية وطني
12:17ففي غياب المعلومة الدقيقة الصحيحة
12:21سيصعب التشخيص والتقييم الدقيق
12:24ومن ثم العلاج والتقويم الصحيح
12:27إن أهم نقطة في هذا التطبيق
12:31هي وضع أهداف من أجل خفط الأمراض المزمنة
12:35وقياس الإنجاز مقارنة بمؤشرات الأداء المحدلة مسبقا
12:41وإلزام القائمين عليها
12:43بتحقيق هذه المؤشرات لتصبح هدفا واتفاقية وطنية
12:48وتقييم فعالية كل تدخل لخفط الأمراض المزمنة
12:53إنها معادلة واضحة جلية
12:57إذا لم نفهمها اليوم ونطبقها
13:00فإننا سندفع الثمنة قاعسنا غاليا في المستقبل القريب
13:05بل إننا ندفعه اليوم
13:07وسيدفعه أبناؤنا وأوطاننا أضعاف مضاعفة
13:11بل سيؤدي لا محالة إلى خنق التنمية
13:15واستنزاف خيرات الشعوب التي غفلت عن الاستثمار الصحيح
13:19في مراحله المبكرة
13:21إنه الاستثمار في البشر قبل الحجر
13:26فرنبت أبدئ إنسان
13:30ترجمة نانسي قنقر