00:00بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
00:07عنواننا المداخلة
00:10القضاء بين المعايير الدولية والمعايير الشرعية
00:18لأن تطلق عبارة المعايير الدولية
00:29ويراد منها مجموعة القواعد والقيمة المستمدة
00:33من المعاهدات والاتفاقيات الدولية
00:36والتوصيات الأمم والتحدة
00:39ويقع الترويج إليها لهذه القواعد
00:44على أنها معايير ذات صبغة فنية والتقنية
00:48خاصة بالمحاكم العادلة
00:50بحيث تضمن جملة من المعايير والمبادئ
00:54مثل حقوق الدفاع ومبدأ المواجهة بين الخصوم
00:59وعلنية الجلسات وتطبيق القانون
01:02مناط المحاكمة من قبل القضاء
01:05على القضاء المستقل ونحوها من المبادئ
01:10ولكن الإشكال والتساءل في هذا الإطار
01:14إذا كانت هذه القيم والمعايير
01:17هي نفسها في منظومة التشريع الإسلامي
01:22فما الفرق بين المنظومتين
01:25الجواب على هذا الاختلاف
01:29بين المعايير الدولية والمعايير الشرعية
01:31رغم تماثل الألفاظ والمصطلحات
01:34يتمثل أولا في الأساس العقائدي
01:38الخاص بكل منظومة
01:41إلى جانب الاختلاف في التطبيق
01:44الاختلاف الأول
01:49على المستوى الأساس العقائدي
01:52الأساس
01:52إن المتأمل في بنية المعايير الدولية
01:57للقضاء كيفما أقرتها المعاهدات والمنظمات الدولية
02:01يتبين أنها ليست محايدة
02:04وأنما لها خلفية إديولوجية
02:07تمت سياغتها في إطار فلسفة عقلانية
02:10لا تعترف بصلاحية الدين في رعاية شؤون الإنسان
02:14وبذلك فأن قيم العدالة تم تشريعها
02:19دون أي حضور للدين
02:22أو إحالة إلى قيم دينية
02:24فهذه الصياغة لمعايير العدالة
02:28جاءت متخلصة من كل معنى ديني
02:32فالاعتبارات التي تعمل وفقها تلك المعايير
02:36تندرج ضمن صياغ العقلانية
02:38التي تفصل بين الدين والحياة
02:43والدين عن الحياة
02:44وهو مسار علماني عقلاني
02:47يمثل المفهوم العقدي الفلسفي
02:50لفبركة العلمانية التي سار على الغرب منذ القرن الثامن عشر
02:55إذن فالغرب توصل إلى قناعة
02:59مفادها فصل الدين عن الحياة
03:01وهذا هو المفهوم العقدي الفلسفي لفكرة العلمانية
03:05التي برزت من خلاله جهتين
03:09هما الكنيسة كجهة معبرة
03:12عن الدين بمعتقداته وتعاليمه الدينية
03:16والدولة كجهة ثانية معبرة عن الحياة
03:20بأنظمتها العقلانية الحديث
03:23حقيقة العلمانية أو اللائكية
03:26كما وردت في تعريفات الغربيين أنفسهم
03:29هي تعني اللائكية
03:30في مفهومه الواسع
03:31الفصل بين الدين والحقائق الدنيوية
03:35فهي تفترض أن هذه الحقائق التي تتعلق بحياة الإنسان
03:40يجب أن لا تخضع لاحتواء الدين أو تأثيره
03:44ولهذا السبب يمكننا أن نصف مجتمعا ما
03:48أو فكرا ما أو أخلاق ما باللائكية
03:52إذا ما تخلصت تماما من أي شيء له سبغة دينية
03:57ولم تطع إلا مبادئ ضمن نظام عقلاني بحر
04:04في هذا الاتجاه يمكن الحديث على عدة مناها مجالات
04:09نجم نقول لائكية التعليم
04:12لا يحوى على أي خاصية دينية
04:15جميع الفضاءات العامة تخضع لصيغ العقلانية وخالية من أي حضور ديني
04:21أو إحالة إلى حقائق أو معتقدات دينية
04:25وبذلك فأن مرفق العدالة بدوره
04:29وبوصفه من متعلقات الشأن العام
04:31يجب أن يخضع إلى قيم ومعايير خالية من الحقائق والمعتقدات الدينية
04:38وهذه القناعات الغربية يتم تكريسها صلبة معاهدات دولية
04:44أو توصيات صادرة عن منظمات دولية
04:47بغاية عولمة هذه القيم والمعايير
04:50وجعلها ذات صابع طابع كوني
04:53بما قولت أنها معايير إنسانية وعقلانية
04:57بالإضافة إلى ذلك فأن تأويل هذه المعايير
05:04التي تكتش طابعا علمانيا من خلال المعاهدات والمنظمات الدولية
05:09لفرض تفوق الحضارة الغربية
05:12وعولمة قيمها التي يراد لها أن تأخذ طابعا إنسانيا وكونيا
05:18أما بالنسبة للإسلام
05:21فأنه يشكل عقيدة ينبثق عنها نظام
05:26بمعنى أن قواعد ومعايير القضاء هي أحكام شرعية منبثقة من الإسلام
05:33فمنظمة قيم العدالة التي أقرها الإسلام
05:40تعبد عن وجهة نظر معينة في الحياة
05:44وهي تعتبر أحكام شرعية واجبة الاتباع لصلاح أمر القضاء
05:51وبالتالي فإن القاضي حينما يتبعها
05:54إنما يقوم بالأساس بتطبيق أحكام شرعية يتقيد بها
05:59لذلك تقوم الدولة الإسلامية باخترار أشخاص من جنس رسالة القضاء
06:05فالقاضي يجب أن يكون الشخصية الحائز على أكبر قدر من المعارف والعلوم
06:12ومتشبعا بأكبر قدر من النزاهة والورع
06:16حتى يكون حريصا على التحمل هذه الرسالة
06:21باعتبارها صادر عن الشارع وهي ضمان الصلاح والفلاة
06:26فالعدل هو قيمة شرعية
06:29تطبيق الآية الكريمة في قوله تعالى
06:32أعدل هو أقرب للتقوى
06:34المائدة آية 8
06:35والمساوات بين المتخسمين هو إجراء أيضا أساسي شرعي
06:42باعتباره أنه من وصايا رسول صلى الله عليه وسلم
06:46للقضاء
06:48هو عدم ذيافة خصم دون خصمه
06:51والمساوات في الجلسة بين القسماء
06:54ونحو هذا من المعايير القضائية التي أقرها الإسلام
06:58فالقاضي لا يخص أحد المتخسمين بالنظر والإعلام
07:03ولا ينطلق بوجه نحو أحدهما دون الآخر
07:07تطبيقا لقوله صلى الله عليه وسلم
07:10من ابتلي بالقضاء بين الناس
07:13فليعدل بينهم بلفظه ولحظه وإشارته ومقعده ومجلسه ومجلسه
07:19ولا يرفع صوته على أحد الخصمين ما لم يرفع على الآخر
07:24وفي نفس السياق أشار الخليفة عمر بن الخطار
07:28رضي الله عنه في رسالة إلى أبي موسى الأشعري بقوله
07:33آس بين الناس بوجهك وعدلك ومجلسك
07:38حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك
07:43وعلى هذا المنهج كانت مسيرة قضاة الإسلام
07:49فمثلا في مجلس القاضي شريح
07:53جاء رجل من أصحاب القاضي شريح وهو الأشعر بن قيس
07:58مجلس القضاء فرحب به شريح
08:01وأجلسه معه في نفس ذلك اليوم
08:04جاء رجل بين يدي شريح يخاصب صديقة
08:08أي الأشعر بن قيس
08:09قال له القاضي قم مع خصمك
08:12فقال له
08:14وما عليك أن تقضي وأنا هنا
08:16قال له قم قبل أن تقام
08:20فقام وهو مغسم
08:22يروى أيضا أن أبي هريرة وهو قاضي في المدينة
08:27جاءه صاحبه
08:28فظن أبو هريرة أنه جاء لحاجة غير الحكم
08:31فلما جاءه رجل يخاصم صاحبه
08:35قال له أبو هريرة
08:37قم فاجلس مع خصمك
08:39فإنها سنة أبو القاس
08:41مبدأ آخر من مبادة الإسلامية في القضاء
08:46مبدأ المواجهة بين الخصور
08:48وهي عدم اعتماد أقوال أحد المتنازعين
08:54حتى لا يقع ضحية لاعيب خصمه
08:57وقد جاءت أمرأة إلى القاضي شريح تخاصم زوجها
09:02وهي تبكي
09:03جلس بجانبه
09:05يقول أظنها مظلومة
09:08بيك الدموع
09:10قال له القاضي شريح
09:13إن أخوة يوسف جاءوا آباهم عشاء يبكون
09:16وقد روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم
09:21لا تضيف أحد الخصمين إلا ومعه خصمة
09:24ولذلك نلاحظ أن جميع هذه المعايير
09:28والقواعد القضائية
09:30وردت بها نصوص شرعية
09:32ويطبقها القاضي بوصفها أحكاما شرعية
09:36واجبة الاتباع
09:37الاختلاف الثاني والجزء الثاني
09:42على المستوى التطبيق
09:44المتأمل في مضامين هذه القيام والمعايير الدولية
09:49يكتشف أن لها طابعا شكليا
09:51بمعنى أنها تتعلق بشكليات المحاكمة
09:55مثل علمية الجلسات
09:56مبدأ المواجهة حق الدفاع وغيره
09:59وهي جميعها متعلقة بإجراءات وشكليات
10:03وإن كانت ظورية إلا أنها غير كافية
10:07المشكلة الأساسي في ضمان المحاكمة العادلة
10:11هو النص الذي يتعهد بقاضي
10:13لتطبيقه على واقع ماثلة أمامه
10:16لكن في ظل منظومة القانون الوضعي
10:20القاضي مطالب بتطبيق القانون
10:22الذي هو عادة ما يكون ثمار
10:24لمعادلات وترضيات معينة
10:28بين القوى النافذة في المجتمع
10:30ذا النظرة الشكلية للأمور
10:34تبرز أن القاضي يطبق نصوصا
10:37تسمى قوانين
10:38وهي في حقيقة الأمر
10:40تنطوي على تعليمات
10:42تعبر عن مصالح القوى النافذة في المجتمع
10:45فإذا كان القانون جائرا
10:47فإن من يقضي به
10:49سوف يكون مقطوعا عن الوصول
10:51إلى العدل المنشود
10:53فهذه المعايير القضائية
10:55التي اعتمدها قوضات الإسلام
10:57مستمدة من الكتاب والسنة
11:00لذلك فأن القاضي يطبقها
11:02بكل أمانة واستقامة
11:04لأنها سنة نبينا صلى الله عليه وسلم
11:07والله رقيب على حسن تطبيقها
11:10أما المعايير الدولي المستمدة
11:13من إرادة عولمة القيامة الغربية
11:16التي تنبني على عقيدة النظام الرئاسمالي الديمقراطي
11:21فإنها مبنية على أساس المنفع
11:25وقيمة المنفع
11:26ولذلك فإن تنفيذها يبقى خاضعا
11:30لماذا تحقق المنفع من عدمها
11:33وهو الأمر الذي يجعل هذه المعايير
11:35عرضة لكثير من الخروقات
11:38تحوى تحت تأويلات مختلفة
11:40من جهة أخرى
11:42من جهة ثانية
11:43فإن من أهم معايير القانون الوضعي
11:46هو الالتزام بتطبيق القانون
11:48مع أن هذا القانون كثيرا
11:50ما يكون متعسفا
11:52ومصدرا لارتكاب المظالم
11:54ورغم ذلك
11:55فإن القاضي مطالب بتطبيق القانون
11:58بشكل آلي
11:59ولو كانت نصوصه جائرة
12:02وبذلك يصبح القاضي
12:04في ظل هذه المنظومة
12:05مزدوجة الشخصية
12:07شخصية طبيعية
12:10تأبى الظلم
12:10وشخصية وظيفية
12:12تطبق تعليم ظالمة
12:14في شكل نصوص قانونية
12:17وبالتالي فإن المعايير
12:20الأساسي للمحاكمة العادلة
12:22في ظل منظومة القضاء
12:23القضاء الإسلامي هو تطبيق القانون
12:26المتأتي من أحكام الشريعة الإسلامية
12:29والنصوص القانونية
12:30يتم استنباطها أساسا من الكتاب والسنة
12:34وما أرشد إليه من إجماع وقياس
12:37وكذلك ما تتبناه الدولة من حلول
12:40ومعالجات شرعية
12:42مستمدة ما تلك الأصول
12:44ولذلك فالقاضي في ظل منظومة
12:47التشريع الإسلامي
12:48يكون منسجماً مع ذاته
12:50فهو يطبق النصوص القانونية
12:53المستمدة من الوحي
12:55وهو على قناعة بذلك
12:57حتى إذا تبنت الدولة
12:59معالجات قانونية
13:00تخالف مذهبه الشخصي
13:02أو قناعاته الخاصة
13:04فإنه أيضاً يتقيل بتطبيقها
13:07طالما أنها تشكل رأياً شرعياً
13:10ناجماً عن اجتهاد شرعي
13:12فيترك رأيه الشخصي
13:14لصالح القانون المتبنى
13:15من قبل الدولة الإسلامية
13:17عمل بقاعدة رأيه الإمامي
13:20يرفع الخلاف
13:21وقاعدة أيضاً أمره الإمامي
13:24نافذ ظاهراً وباطناً
13:26وخلاصة القول
13:29إنما يسمى بالمعايير الدولية
13:33للعدالة
13:34يقع الترويج لها
13:35على أنها جملة من المقاييس
13:37والقيم
13:38ذات الطابع الفني والتقني
13:41التي يتوجب على مؤسسة القضاء
13:44في جميع الدول
13:45الالتزام بها
13:46لكن الواقع أن هذه المعايير
13:49لا تعبر عن مجرد رؤية براجماتية
13:52أو قواعد إجرائية حيادية
13:54بل إنها تعبر عن إرادة
13:57عولمة القيمة الغربية
13:58المستمدة من عقيدة فصل الدين عن الحياة
14:02واعتماد فلسفة عقلانية
14:04لا تعترف بصلاحية الدين
14:06في تسيير شؤون الناس
14:10بما فيها الشأن القضائي
14:14الذي يجب إخضاعه إلى قيم عقلانية
14:17لائكية متخصصة
14:19أو متخلصة من كل حضور ديني
14:22أو إحالة إلى حقائق معتقدات
14:25أما بالنسبة للقضاء الإسلامي
14:28فأنه يعتمد معايير ومقاييس خاصة به
14:31لمفهوم المحاكمة العادلة
14:34بوصفها أحكام شرعية واجبة الاتباع
14:37وهكذا يبقى البون شاسعا
14:40بين المعايير الإسلامية في القضاء
14:43التي تبنى أو تبني عدالة
14:46تقضي بين الناس بشرع ربهم
14:48وبين ما يسمى المعايير الدولية
14:51التي طالما تزينت بعناوين الحياد والاستقلالية
14:56ولكن سرعان ما تتبخر
14:58أمام لغة المصالح
14:59وتنازع النفوذ
15:01فتهوى بها إلى مستنقع الفشل
15:03لتحقيق العدالة المنشودة
15:05وأشكركم على النصات
15:07والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته