#_الحلقة_الأولي_#_المفهوم_اللغوي_لكلمة_الجن_

حينَ خَلَقَ اللهُ الأرضَ وأرسَي فيها الأنهارَ وأنْبَتَ الشجارَ , لَمْ يَكُن هناكَ مَن يَنتَفعُ بِمَا في ذَلكَ مِن خَيرٍ فَكانت الثمارُ تَجِفُّ وتَقَعُ علي الأرضِ فَشَكَتِ الأرضُ إلي رَبِّهَا فَخَلَقَ فيها أُمَمًا كَثيرةً علي صُوَرٍ مُختَلِفَةٍ يُقالُ لَهُم الجِنُّ فَانتَشَرُوا كَالذَرِّ حتي امتَلأ مِنهم السَهْلُ والوَعْرُ فَأقامُوا علي وَجهِ الأرضِ مَا شاءَ اللهُ مِن الزَمانِ , إذَنْ أرادَ اللهُ تباركَ وتعالي أنْ يُعَمِّرَ الأرضَ بالخَلْقِ ولكنَّهُ بِرَحمتِهِ التي وَسِعَتْ كلَّ شئ عَمَّرَهَا أولاً بِوجُوهِ المَنافعِ المُختَلِفَةِ التي يَحتاجُ إليهَا هذا الخَلْقُ مِن طعامٍ وشرابٍ ومَتاعٍ وَزِينةٍ , وقبلَ أنْ يَخلُقَ اللهُ الإنْسَ علي الأرضِ خَلَقَ الجِنَّ مِن مَارِجٍ مِن نارٍ , ومِن هُنا يَستَدعِي الأمرُ الحَديثَ عَن الجِنِّ .المَفهُومُ اللُّغَوِيُّ لِكَلِمَةِ الجِنِّ : قالَ ابنُ مَنظورٍ في مُعجَمِهِ (لِسَانِ العربِ) :
الجِنُّ مَأخوذٌ مِن جُنَّ الشَّئُ يجِنُّهُ جَنًّا إذا سَتَرَهُ , وكُلُّ شَئٍ سُتِرَ عنكَ فَقَد جُنًّ عنكَ , وجُنَّ عليهِ الليلُ أي سَتَرَهُ بِظَلامِهِ , واسْتَجَنَّ فُلانٌ إذا اسْتُتِرَ بِشَئٍ , وجُنَّ المَيِّتُ إذا سَتَرَهُ , والجَنينُ : الطفلُ في بَطنِ أُمِّهِ لأنَّهُ مَستُورٌ عَن الرُؤيَةِ والجُنُونُ سَترُ العَقلِ وقَد جُنَّ أي ذَهَبَ عَقلُهُ واخْتَفَي , فَالمَادَةُ مُتَقَلِّبَةٌ بينَ مَعاني السَترِ والاخْتِفَاءِ , ومِنهَا كَلِمةُ (الجِنّ) الذي هو نَوعٌ مِن العَوالِمِ , سُمُّوا بِذلكَ لاجتِنَانِهِم واختِفَائِهِم عَن الأبصارِ , فَالمَعنَي الاصطِلاحِيُّ لِكلِمَةِ (الجِنّ) يَهدِي إليهِ المَفهُومُ اللُّغَوِيُّ .
قالَ القَزوينِيُّ في كتابِهِ (عَجَائِبِ المَخلوقاتِ والحيواناتِ وغَرائِبِ المَوجوداتِ) : زَعَمُوا أنَّ الجِنَّ حَيوانٌ نَارِيٌّ مِن شأنِهِ أنْ يَتَشَكَّلَ بِأشكالٍ مُختَلِفَةٍ .
وقالَ الدَّمِيرِيِّ في كِتابِهِ (حياةِ الحِيوانِ) : الجِنُّ أجسامٌ هَوائِيَّةٌ قادِرَةٌ علي التَشَكُّلِ بِأشكالٍ مُختَلِفَةٍ لها عُقولٌ وأفهامٌ وقُدرَةٌ علي الأعمالِ الشاقةِ , وهُم خِلافُ الإنْسِ , الواحدُ جِنِّيٌّ .
الجِنُّ في القُرآنِ الكريمِ :
وقَد وَرَدَت كلمةُ الجِنِّ في القرآنِ الكريمِ اثنَتَينِ وعِشرينَ مَرَّةً ,وَوَرَدَتْ كَلِمَةُ الجَانِّ في سَبعَةِ مَواضِعٍ , أمَّا كَلِمَةُ عِفريت فَلَمْ تَرِدْ سِوَي مَرَّة واحدة كما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ كاملةٌ باسمِ الجِنِّ , أمَّا كَلِمَةُ شَيطان وشياطين فَقَد وَرَدَتْ في ثَمانِيَةٍ وثمانينَ مَوضِعًا .مَعنَي العِفريت :
العِفريتُ : هُو القَوِيُّ المَارِدُ مِن الشياطينِ والتاءُ فيهِ زَائِدَةٌ فَقَد يُقَالُ فيهِ (عِفرِيُّ) بِدُونِ (تاء) , وتُطلَقُ الكَلِمَةُ علي المَجَازِ علي الرجُلِ الخَبيثِ المُدَاهِنِ : ويُجمَعُ (عِفريت) علي (عَفَاريت) .
لكن مَا أصلُ الجِنِّ وما أنواعُهُ وأصنافُهُ هذا ما سَنعرِفُهُ في الحَلَقَةِ الثانيةِ القادِمَةِ إنْ شاءَ اللهُ تعالي والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته