أظن أن حياة الإمام الرضا (عليه السلام) كانت فاتحة مرحلة جديدة من حياة الشيعة حيث خرجت بصائرهم وأفكارهم من مرحلة الكتمان إلى الظهور والإعلان، ولم يعد الشيعة من بعد ذلك العهد طائفة معارضة في مناطق خاصة، بل أصبحوا ظاهرين في كل بلاد، ولقب (الرضا) أطلق على الإمام علي بن موسى (عليه السلام) منذ نعومة أظفاره، وكان الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) قد منحه إياه كما أعطاه كنية أبو الحسن فكان كثير الحب له.
الإمام الرضا (عليه السلام) كان بمثابة قرآن ناطق، فخُلقه من القرآن، وعلمه ومكرماته من القرآن، وكان (عليه السلام) يمثل هذا النور بكل وجوده، وكان قلبه يستضيء بنور الله، وهكذا أطاع الله بكل جوانب حياته، فأحبه الله ونوّر قلبه بضياء المعرفة وألهمه من العلوم ما ألهمه، وجعله حجة بالغة على خلقه وهكذا أناب الإمام الرضا (عليه السلام) إلى ربه فوهب الله له ما شاء من الكرامة والعلم، لقد زهد في الدنيا واستصغر شأنها، ورفض مغرياتها، فرفع الله الحجاب بينه وبين الحقائق لأن حب الدنيا رأس كل خطيئة، وهو حجاب سميك بين الإنسان وبين حقائق الخلق.